The Messenger 2009

IMDb
7.1/10
سنة الإنتاج:
منتج:
تمکین تعطيل
الإشعارات فیلم
0

النقد الشامل لفيلم «الرسول» (The Messenger, 2009)

 

١. لماذا نُعيد النظر في «الرسول»؟

وسط الموجة العارمة من الأفلام الأميركية في العقد الأول من الألفية الثالثة التي تناولت حرب العراق، يبدو «الرسول» فيلماً استثنائياً؛ لماذا؟ لأنه بدلاً من أن يضع ساحة المعركة في قلب الصورة، يُركّز على غرفة المعيشة في منازل العائلات الثكلى. الفيلم هو أول عمل روائي طويل لأورن موفرمان، كاتب السيناريو الإسرائيلي-الأميركي، وقد كُتب بالتعاون مع أليساندرو كامون. الأداءان اللذان قدّمهما بن فوستر وودي هارلسون منحتا العمق للسيناريو. حصل الفيلم على جائزة الدب الفضي لأفضل سيناريو في مهرجان برلين، ورُشّح هارلسون لجائزة الأوسكار عن أفضل ممثل في دور مساعد. لكن السؤال الأساسي في هذا النقد ليس حول الجوائز، بل عن النظرة الاستعمارية الكامنة خلف الكاميرا.

 

٢. ملخص قصير قبل الدخول في التفاصيل

ويل مونتغومري (بن فوستر)، جندي أُصيب في العراق، يقضي آخر ثلاثة أشهر من خدمته في وحدة «إبلاغ الخسائر»، وهي الوحدة المكلفة بإبلاغ عائلات الجنود بموت أحبائهم. يخضع لتدريب تحت إشراف الضابط المخضرم توني ستون (وودي هارلسون)، الذي يفرض قواعد صارمة: لا مصافحة، لا لمسة، لا قول “أنا آسف”. خلال المهام، ينشأ بين ويل وأوليفيا براتشت (Samantha Morton) ــ أرملة جندي قُتل في العراق ــ علاقة عاطفية. هذه العلاقة تُحدث شرخاً في الجدار العاطفي الذي بناه توني، ويكتشف كلا الرجلين أنهما لا يستطيعان الانفصال عن حزن الآخرين، ولا الفرار من ذكريات الحرب.

 

٣. السرد الكامل للمشاهد، مشهداً بعد مشهد

 

العودة إلى الوطن: يبدأ الفيلم بصوت طائرة تهبط في القاعدة. لقطة مقربة على عيني فوستر تُظهر أن ويل ما يزال يعيش في “وضعية حرب”؛ يرى العالم من حوله كأنه حقل ألغام.

 

تقديم وحدة الإبلاغ: في الاجتماع الأول، يقول له العقيد: “مهمتك أن ترافق شخصاً في أحلك لحظة من حياته، لا أن تنقذه.” هذا الحوار يؤسس للثيمة المركزية للفيلم.

 

المهمة الأولى: دون سابق إنذار، يذهب ويل وتوني إلى منزل امرأة شابة. يتردد هارلسون للحظة، ثم يكرّر الكلمات المحفوظة: “باسم حكومة الولايات المتحدة…”؛ العيون تعكس الألم الصامت.

 

كسر القواعد: في المهمة الثالثة، يلتقي ويل بأوليفيا. يرى طفلها الصغير ويكسر قاعدة “عدم اللمس”، واضعاً يده على كتفها. هذا الانحراف السردي يُمثّل بداية التحدي الأخلاقي في الفيلم.

 

فلاشباك العراق: في أحد الأحلام، يتذكّر ويل مشاهد الانفجار؛ شظايا الزجاج ترتجّ في زاوية الكادر. يتحوّل العراق إلى مشهد ذهني، لا جغرافي.

 

الشلل في حفل الزفاف: يرتدي توني بدلة زرقاء رسمية ويذهب لحفل زفاف، محاولاً إقناع نفسه أنه “إنسان طبيعي”؛ لكنه يُشير مباشرة إلى هاتف ويل المحطّم ويتناول مشروباً عراقياً محلياً.

 

الاعتراف بجانب البحيرة: الذروة تكمن في حوار شبه سُكْراني بين الجنديين؛ يعترف توني بأنه لم يشارك في المعارك قط، لكن كل عملية إبلاغ موت حوّلته إلى شخص مختلف. أما ويل، فيروي حادثة إطلاق النار على جندي عراقي، والكاميرا تُحلل وجهه تحت ضوء القمر.

 

الانفصال عن الوحدة: في النهاية، يقرر ويل الذهاب وراء أوليفيا، ويقدّم توني تقريره إلى قائده قائلاً: “ربما كان أفضل رسول رأيناه على الإطلاق.” تنتهي القصة بلقطة مفتوحة لطريق فارغ؛ ولا يبدو أن هناك طريقاً للشفاء.

 

٤. عملية الإنتاج وما وراء الكواليس

أورن موفرمان، الذي كتب سابقاً سيناريو “أنا لست هناك” (I’m Not There)، صرّح بأنه قرر مزج تجربته الشخصية في الجيش الإسرائيلي مع قصة أميركية. اكتشف وحدة “إبلاغ الخسائر” من خلال مقال صحفي قصير، وكرّس ساعات طويلة لمقابلة ضباط حقيقيين وعائلات ثكلى. صُوِّرت المشاهد المنزلية بلا ديكورات، في ضواحي نيويورك ونيوجيرسي، من أجل منح الفيلم طابعاً “واقعياً وعادياً”. وقد موّلت شركات أوروبية مستقلة إنتاج الفيلم، ما أتاح للفريق الابتعاد عن السرد البطولي الهوليوودي التقليدي.

 

٥. الجوانب الفنية والجمالية البارزة

 

التمثيل: خسر وودي هارلسون 10 كيلوجرامات من وزنه ليجسّد الحركات العسكرية بدقة؛ كان موفرمان يريد أن تظهر صرامة الجندي القديم وقلقه المكتوم في عظامه. إلى جانبه، أجرى بن فوستر بحوثاً موسعة حول اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وابتكر تِيكات عصبية دقيقة وغير ملفتة.

 

التصوير: استعان المصور بوبي بوكوفسكي بكاميرا سوبر 16 ملم، لتفعيل حبيبات الصورة ومنح كل لقطة طابعاً وثائقياً؛ التباين اللوني يمنح الإحساس بـ”الواقعية، لكن ليس بالكامل”، كما يصفها المخرج.

 

السيناريو: تم كسر الهيكل الكلاسيكي ذي الثلاثة فصول بشكل متعمد. كل مهمة من مهام الإبلاغ تعمل كسيناريو فرعي مستقل يُعيد تقديم ثيمة الفيلم بطريقة جديدة. يقول موفرمان: “أردت أن أؤلف موسيقى الحِداد”؛ وكل مهمة هي نغمة جديدة.

 

الموسيقى: كتب أليخاندرو بوكوفسكي التيمة الأساسية للبيانو بأسلوب مينيمالي؛ النوتات المتقطعة وسط لحظات الصمت الطويلة تُشبه انقطاع النفس ــ وكأن العراق ذاته حاضر في سطور لم تُكتب.

 

٦. ملاحظات جانبية مثيرة للاهتمام

 

الحقيقة خلف العبارة المتكررة: جرى تسجيل جملة “نأسف لإبلاغكم…” أكثر من 30 مرة للحصول على اختلافات لحنية، لكن في مرحلة المونتاج، أبقى موفرمان عمداً على ثلاث نسخ فقط لإبراز الطابع الطقوسي للتكرار.

 

إشارة خفية إلى فيتنام: على جدار غرفة توني، يُمكن رؤية ملصق باهت لحفل موسيقي من عام 1974، العام الذي انسحبت فيه أميركا رسمياً من فيتنام. يقول موفرمان: “إنها روح الحرب السابقة، ما زالت تطارد الجنود”.

 

ميزانية متواضعة، ممثل باهظ الثمن: تبرّع هارلسون بنصف أجره المعتاد لتمكين الفيلم من الاكتمال.

 

مونتاج “الأنفاس المقطوعة”: قام المونتير ألكسندر هالبيرن بحذف بعض الإطارات عمداً في مشاهد معينة لخلق ارتجافات بصرية تُثير التوتر.

 

فيلم بلا معركة: لا تُرى أي رصاصة حقيقية داخل الإطار؛ حتى الانفجارات في ذكريات العراق تقتصر على الضوء والصوت فقط، للإبقاء على التركيز على “ارتدادات الحرب”.

 

٧. نقاط القوة السينمائية

 

التركيز على ما لا يُرى: يُعد هذا الفيلم أول عمل أميركي جاد يُركّز على مهنة “رسول الموت”، وظيفة عادةً ما تُخفى خلف السرديات البطولية للجيش.

 

لعبة الرجُلين: العلاقة بين توني وويل، التي تشبه علاقة الأب بالابن، تُبنى لا من خلال الكلمات بل من خلال الصمت؛ نظرات ويل المتمرّدة وتنهيدات توني المتعبة تُجسّد اختلاف جيلين في التعامل مع الحِداد.

 

لغة بصرية لا بطولية: الكاميرا المحمولة على الكتف تتحرّك من دون دُولي أو كرين؛ كما لو أنها تقول: “لا شيء مجيد في هذه المهمة”.

 

الحوارات: النكات العسكرية الجافة (“قل لزوجتك إنني حصان طروادة في عيد ميلادها”) تساعد على كسر قسوة المشاعر.

 

٨. نقاط الضعف

 

العلاقة العاطفية المتسرعة: تقارب ويل وأوليفيا جاء سريعاً جداً؛ لم يُمنح الجمهور الوقت الكافي لاستيعاب حالة حزنها.

 

فقر صوتي في ميدان المعركة: بما أن العراق لا يظهر إلا في فلاشباكات، تبقى أصوات الحرب مكتومة في ذهن المتلقي؛ بعض النقاد أشاروا إلى أن ذلك بدا “كنقص في الميزانية”.

 

أحاديات الصوت عند الجنود: كل من ويل وتوني هما رجلان أبيضان من الطبقة العاملة؛ التنوع العرقي للجيش الأميركي لا يظهر سوى في الخلفية.

 

النهاية المفتوحة غير المقنعة: الطريق الفارغ في المشهد الأخير يحمل دلالة جميلة، لكن بعض المشاهدين شعروا أن الفيلم “ينقطع فجأة” قبل اكتمال مسار تطوّر الشخصية.

 

٩. تحليل النظرة الاستعمارية في “الرسول”

 

٩.١ مركزية الألم الأميركي

رغم أن الفيلم معادٍ للحرب، فإنه يضع منذ الدقيقة الأولى معاناة الجندي الغربي في مركز الصورة. العراق لا يظهر إلا كتذكار صادم؛ لا نسمع اسم مدينة عراقية، ولا نرى وجه عراقي. “الآخر” أو “أرض المعركة” موجود فقط كذريعة لفهم نفسية الجندي. هذه هي منطق الاستعمار الثقافي: الشرق لا يُعرَّف إلا من خلال ألم الغرب، لا بصوته الخاص.

 

٩.٢ تغييب الضحية المحلية

يُعامل الفيلم موت الجندي الأميركي كحدث تراجيدي يستحق طقساً رسمياً وشبكة دعم مجتمعية؛ بينما لا نرى أي مشهد يُظهر من يبكي في العراق. عدد القتلى المدنيين ــ الذي يُقدّر بأكثر من 200,000 بحسب بعض دراسات جامعة براون ــ لا يُذكر إطلاقاً. الاستعمار السردي يُمارَس من خلال صمت الضحية المحلي.

 

٩.٣ طقس الحِداد واستعارة الحضارة

تُقدّم وحدة الإبلاغ ببزّات مكوية، شارات رسمية على الياقات، وكلمات مُختارة بعناية، لعرض “حضارة الغرب”؛ في المقابل، تبدو ذكريات العراق ضبابية، مشوّشة، وغير واضحة. كأن الغرب يمتلك “طقساً حضارياً للحِداد”، بينما الشرق لا يزال غارقاً في الفوضى. هذا التناقض هو من أقدم أدوات الاستشراق.

 

٩.٤ غياب السياسة

الفيلم لا يتطرق إلى السياسة إطلاقاً؛ لا ذكر لأسباب الاحتلال، ولا لكذبة “أسلحة الدمار الشامل”. الحرب تظهر ككارثة طبيعية، تُحوّل الجندي والأم الأميركيين إلى ضحايا. غياب السياسة هو أداة استعمارية ناعمة لإخفاء البُنى التي تولّد الظلم.

 

٩.٥ استهلاك الحِداد كترفيه

غالباً ما يُتّهم الإعلام الغربي بتحويل موت الشرق إلى “صورة فائزة بجائزة بوليتزر”. في الفيلم، وظيفة ويل هي ذاتها، ورغم أن موفرمان ينتقدها، إلا أن صوره تظل تظهر جميلة. هذا التناقض يُثبت كيف أن الاستعمار البصري يكمُن حتى في النقد ذاته.

 

٩.٦ البطولة في ثلاثة فصول من الحِداد

يحمل الفيلم تحت سطحه سردية بطولية: يبدأ ويل كجندي مهزوم، ثم يصبح رسول موت، وأخيراً “يُسامح نفسه” ويعود إلى الطريق. هذه القوس الكلاسيكية تُطمئن المشاهد الغربي إلى أن الأزمة قابلة للحل؛ بينما لا نهاية تُرسم للعراق. يكتمل الاستعمار السردي حينما يُمنَح البطل الغربي الخلاص، فيما لا يعود الشخص الشرقي إلى الشاشة أبداً.

 

١٠. خاتمة نهائية

يُعد “الرسول” فيلماً شجاعاً لأنه يبتعد عن ميدان القتال ليُركّز على الفضاء غير المرئي للحِداد. أداء هارلسون وفوستر، والمونتاج الخانق، والسيناريو غير الخطي، جعلته من أهم دراما ما بعد 11 سبتمبر.

لكن الفيلم ذاته يُعيد إنتاج أدوات الاستعمار الثقافي: الآخر بلا وجه، التاريخ السياسي محذوف، والنفسية الجريحة للرجل الأبيض في المركز.

المشاهد العراقي يستطيع ــ إن امتلك أدوات الوعي ــ أن يفهم الفيلم ويتحداه في آن معاً؛ لأن نقد الاستعمار لا يعني الرفض، بل يعني قراءة نقدية تُعيد الصوت لمن تمّ إسكاتهم.

 

أسئلة للقارئ العربي

 

ماذا لو تضمّن الفيلم مشهداً لعائلة عراقية تتلقى نبأ مقتل الأب؟ كيف كان سيتغيّر السرد؟

 

هل يمكن تخيّل فيلم غربي عن الحرب تكون بطولته لمدني عراقي يُمنَح الخلاص في نهايته؟

 

ما السُبل المتاحة أمام صنّاع السينما العراقيين المستقلين لصناعة سردية الحِداد الخاصة بهم دون وساطة الغرب؟

 

نأمل أن تكون هذه الأسئلة بداية حوار جديد.

محتوایی برای این تب موجود نیست.
محتوایی برای این تب موجود نیست.
محتوایی برای این تب موجود نیست.
  • 0 رأي
  • 30 يزور
  • فريق العمل والموسيقى التصويرية
نقترح عليك المشاهدة

دیدگاه های کاربران

0 نظر
انصراف

اولین نفر باشید دیدگاهی ثبت میکند