IMDb
6.2/10
سنة الإنتاج:
تمکین تعطيل
الإشعارات فیلم
0

النقد الشامل لفيلم “الرجال الذين يحدقون في الماعز” (The Men Who Stare at Goats, 2009)

 

١. تمهيد: لماذا نلجأ إلى هذه الكوميديا الحربية؟

 

في السنوات التي كانت فيها السينما الأمريكية تُنتج موجة من الدراما الواقعية القاتمة حول العراق، ظهر فجأة فيلم ساخر بوجوه سينمائية شهيرة: “الرجال الذين يحدقون في الماعز”. هذا العمل، من إخراج غرانت هزلُوف وبطولة جورج كلوني، إيوان ماكغريغور، جيف بريدجز وكيفن سبايسي، ادّعى أنه يكشف الجانب الغريب من كواليس الجيش الأمريكي؛ حيث يسعى الجنود إلى اختراق الجدران بقوة العقل، وتحريك الغيوم، بل وقتل ماعز حي بالنظر إليه فقط! هذه الكوميديا العبثية تبدو كما لو أنها تسخر من عبثية الحرب؛ غير أنّ النظر إليها من زاوية ما بعد الاستعمار يُظهر أن العراق يُحيل مرة أخرى إلى خلفية صامتة. هذا النقد يسعى لتفكيك طبقات الفيلم المختلفة: من السرد والكواليس إلى مكامن القوة والضعف السينمائية، وصولًا إلى كشف النظرة الاستعمارية الكامنة فيه.

 

٢. تقديم موجز للفيلم

 

“الرجال الذين يحدقون في الماعز” هو اقتباس حر عن كتاب شبه توثيقي يحمل نفس الاسم للمؤلف جون رونسون. كتب السيناريو بيتر ستروهان، وبلغت ميزانيته الرسمية حوالي ٢٤ مليون دولار؛ فيما تجاوزت عائداته في شباك التذاكر حول العالم ٦٩ مليون دولار، ليُصنَّف كواحد من الأعمال الناجحة تجاريًا. الفيلم يمتد لـ ٩٤ دقيقة، وتم إنتاجه بشكل مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا. للتصوير في مشاهد “العراق المُحتل”، لم يذهب الفريق إلى بغداد، بل إلى الكويت ونيو مكسيكو؛ أي أنّ العراق الحقيقي استُبدِل مرة أخرى بصحراء أخرى.

 

٣. السرد الكامل والمفصل للفيلم (تحذير: حرق للأحداث)

 

٣.١ البداية بنكتة سوداء

 

يبدأ الفيلم بعبارة ساخرة: “هذه القصة مبنية على كذبة حقيقية”. ثم نرى جنرالًا يحاول عبور جدار باستخدام قوته الذهنية، ليصطدم به بشكل هزلي؛ ومن هنا يُرمى صنّارة السخرية.

 

٣.٢ دخول الصحفي الفاشل

 

بوب ويلتون (إيوان ماكغريغور) صحفي محلي في ميشيغان؛ تتركه زوجته، ولكي يُثبت رجولته، يسافر إلى الحدود الأردنية لتغطية أخبار الحرب في العراق. في فندق بعمّان، يتعرف على لين كاسيدي (جورج كلوني)، رجل يبدو مدنيًّا لكنه يدّعي أنه عضو في “جيش المحاربين العقليين”.

 

٣.٣ فلاش باك: تأسيس “جيش الأرض الأولى”

 

تعود القصة إلى الثمانينات: بيل جانغو (جيف بريدجز)، نقيب سابق أصيب بصدمة نفسية في فيتنام، يعود إلى الجيش بعد عامين قضاهما بين الهيبيين ومعلمي الروحانيات الشرقية، ليؤسس وحدة تُدعى “جيش الأرض الأولى”؛ هدفها: تحويل الحرب إلى “مهمة سلام” باستخدام الحب والموسيقى واليوغا والقدرات فوق الطبيعية.

 

٣.٤ اختبار الماعز

 

يخبر لين أنّه في التدريب النهائي، استطاع أن يُسقط الماعز رقم ١٧ عبر التحديق فيه حتى توقف قلبه. يُظهر الفيلم الماعز وهو يسقط فجأة. يُصاب بوب بالصدمة؛ ونحن كمتفرجين نظل مترددين: سحر أم صدفة؟

 

٣.٥ رحلة الطريق في صحراء العراق

 

يُقرّر بوب أن يُرافق لين في “مهمة خيالية”. ينطلقان من الكويت إلى الحدود العراقية، تنفجر سيارتهما المستأجرة بلغم، ثم يصعدان مع متعاقدين أمريكيين خاصين، ليُتْركا بعدها في الصحراء. تبلغ الكوميديا الموقفية ذروتها: الجنود الخاصون مخمورون؛ لين وبوب تائهان؛ ويُصوَّر العراق كمُتاهة بلا بوابات.

 

٣.٦ الأسر في قاعدة خاصة

 

يصل البطلان إلى قاعدة يديرها الآن لاري هوبر (كيفن سبايسي)، زميل قديم كان قد استخدم القوى النفسية للتعذيب والسيطرة الذهنية. جلب هوبر ماعزًا جديدًا لإجراء تجاربه. في هذه القاعدة، يتلوى الأسرى العراقيون من الجوع والبرد لكنهم يظلون على هامش الكادر؛ حيث تتركز الكوميديا على وضع المسيطرين.

 

٣.٧ ثورة LSD والهروب الأخير

 

يضع لين وبوب شحنة LSD في ماء الشرب داخل القاعدة؛ يدخل الجنود الخاصون في حالة هذيان، وتُحرّر الماعز، ويهرب الأسرى العراقيون. يختفي لين بمروحية (أو ربما يتحطم)، ويكتب بوب، عند عودته إلى أمريكا، تقريرًا مثيرًا. ينتهي الفيلم بلقطة لبوب داخل استوديو تلفزيوني؛ لكن القناة تقطع البث. السخرية المريرة: الحقيقة تُراقَب وتُمنع مرة أخرى.

 

٤. الإنتاج وما وراء الكواليس: من الكتاب إلى الشاشة

 

٤.١ مصدر الاقتباس

 

كتاب جون رونسون يمزج بين التحقيق التوثيقي والسخرية الصحفية. أجرى مقابلات مع ضباط حقيقيين شاركوا في مشروع “Stargate” التابع للجيش الأمريكي (برنامج الجواسيس ذوي الرؤية البعيدة). كان هدف غرانت هزلوف، بحسب قوله، أن “يُبقي عالم الفيلم على بُعد درجة واحدة من الواقع ليبدو مضحكًا”؛ لكن هذا الابتعاد أضعف الكثير من الانتقادات الجادة التي قدّمها الكتاب.

 

٤.٢ التصوير في الكويت والمغرب ونيو مكسيكو

 

تم تصوير المشاهد الصحراوية في الكويت، لأن البيروقراطية في العراق ــ بحسب هزلوف ــ كانت ستُعطل العمل. استخدموا مواقع عسكرية مهجورة في نيو مكسيكو لتصوير معسكر التعذيب وكتيب التدريب. أما مواقع الأردن، من سوق عمّان إلى الفندق الدولي، فأُعيد بناؤها في المغرب. هذا التنقل الجغرافي يُظهر كيف أن الشرق الأوسط، بالنسبة لهوليوود، مجرد صحراء قابلة للاستبدال؛ إنه بالضبط “اللا-مكان” الاستعماري.

 

٤.٣ الموسيقى والنبرة

 

ألّف رولف كينت تيمة موسيقية بغيتار هاواي وإيقاع من السبعينات لإضفاء طابع “غرائبي”. إنّ اختيار هذه الآلات يُظهر أن الفيلم يتأرجح بين الكوميديا والنقد الجاد.

 

٤.٤ الممثلون والتحضير

 

تدرّب جورج كلوني على التأمل وتقنية التحديق دون رمش.

 

أما إيوان ماكغريغور، فكان عليه أن يُجسّد دور “الجاهل”؛ من اللافت أنه لعب سابقًا دور “أوبي وان” في سلسلة “حرب النجوم”، وهنا كان يسأل لين مرارًا: “ما معنى جِداي؟”؛ إنها نكتة ميتا-نصية ساخرة.

 

جيف بريدجز استوحى شخصية بيل جانغو من مزيج بين “الرجل الكبير ليبوسكي” والفيلم الوثائقي “Earth Battalion”.

 

٥. ملاحظات جانبية وجوانب جذابة

 

إشارة إلى مشروع MK-Ultra الحقيقي

هوبر يدّعي قدرته على تدمير عقل العدو بواسطة موسيقى البوب؛ وهذه إشارة مباشرة إلى تجارب واقعية أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في ستينيات القرن الماضي للتحكم بالعقول.

 

سخرية ذاتية حول الجيداي

ماكغريغور معروف في الحياة الواقعية بأنه أشهر ممثل جسّد شخصية “جيداي” في السينما؛ وكونه هنا لا يعرف معنى جيداي يُضحك الجمهور المطلع على السينما.

 

المشهد المحذوف من “فورت براغ”

قبل العرض، أُثير نقاش حول حذف مشهد جندي نفسي يطلق النار في القاعدة؛ لتشابهه مع حادثة واقعية في فورت هود. استوديو الإنتاج قرر الاحتفاظ به، لكن الجدل تصاعد لاحقًا.

 

جاك نيكلسون غير المُكتمل

كان من المفترض أن يؤدي جاك نيكلسون دور هوبر؛ لكن انسحابه أتاح المجال أمام كيفن سبايسي لتأدية الدور.

 

مشهد “الجدار غير الموجود”

في مشهد محاولة الجنرال عبور الجدار، صمّم الفريق جدارًا من الألياف الزجاجية ليصطدم به الممثل فعليًا؛ لا بد أن تكون الضربة حقيقية لإبراز الطابع العبثي للمشهد.

 

٦. نقاط القوة السينمائية

 

طاقم تمثيلي من النجوم:

الانسجام الكوميدي بين كلوني وماكغريغور هو محور الجذب الأساسي للفيلم.

 

كوميديا الموقف:

البطلان يرتديان ملابس مدنية ويجدان نفسيهما وسط صحراء حرب؛ ومع كل خطوة، يزداد الموقف غرابةً وسخرية.

 

تقنيات المونتاج بين الماضي والحاضر:

يتنقل السرد بين ماضي الوحدة النفسية وحاضر العراق؛ وكلما تكشفت فظائع الماضي، بدت الأحداث الجارية أكثر عبثًا.

 

الموسيقى المتناقضة:

الموسيقى البهيجة المصاحبة لمشاهد التعذيب تخلق نغمة متنافرة تعزز من طابع السخرية السوداء.

 

الأسلوب البصري لروبرت إلسويت:

مصور “There Will Be Blood” يستخدم هنا الإضاءة الصحراوية، والغبار المعلق، والتباين الحاد لخلق بيئة تبدو واقعية لكنها تميل إلى الكارتونية قليلًا.

 

٧. نقاط ضعف العمل

 

الجزء الثاني المتسرع:

بعد دخول قاعدة هوبر، تتسارع الأحداث بشكل ملحوظ، مما يُبقي تطور شخصية بوب غير واضح تمامًا.

 

تهكم بلا عمق:

الكتاب الأصلي لرونسون يربط مشاريع التحكم العقلي بأساليب التعذيب الصوتي والمائي في أبو غريب؛ الفيلم يُخفي هذه الطبقة المؤلمة خلف الدعابة.

 

العراقي كشخصية زخرفية:

الشخصية العراقية الوحيدة، “محمود داش”، له بعض الحوارات السريعة قبل أن يُختطف ليتم إنقاذه من قبل الأمريكيين.

 

رقابة ذاتية:

النهاية التي يُقطع فيها بث البرنامج التلفزيوني تُعد بمثابة اعتراف ضمني: الفيلم لا يريد تحمل مسؤولية الكشف الكامل عن الحقيقة.

 

تناقض في النبرة:

بعض النقاد اعتبروا أن السخرية السوداء لا تتناغم مع حقيقة مشاهد التعذيب، مما يُضعف التأثير التراجيدي المفترض.

 

٨. النظرة الاستعمارية للفيلم تجاه العراق

 

٨.١ مركزية السخرية الأمريكية

الفيلم يدور بالكامل حول كيف أساء الأمريكيون إدارة الحرب؛ فالموضوع هو فشل الجيش، لا معاناة العراقيين. هذه المركزية الغربية، التي تضع الألم أو الهزل في قلب التجربة الغربية، تتكرر كثيرًا في سينما الاستعمار؛ الشرق هو مجرد مسرح، والغرب هو الممثل.

 

٨.٢ اللا-مكان وتبديل الجغرافيا

العراق في الفيلم صُوِّر في الكويت ونيو مكسيكو؛ لا وجود لأي معلم بارز من بغداد أو أفقها الحضري. بهذا الأسلوب، يُختزل العراق ليُصبح “أي صحراء شرق أوسطية”. هذا يعزز الإنتاج لكنه يُفقد المكان هويته؛ وهنا يتم الاستعمار السردي من خلال سرقة المكان.

 

٨.٣ غياب الصوت العراقي

المعتقلون في قاعدة هوبر يتألمون فقط؛ لا لقطات قريبة، لا خلفيات قصصية، لا أسر أو هوية. السخرية السوداء تتركز على الجنود الأمريكيين الذين يتعاطون LSD ويرقصون. تهديد إسكات الصوت العربي لا يزال مستمرًا.

 

٨.٤ الأبيض المنقذ؟

رغم أن الفيلم يسخر من الجيش الأمريكي، فإنه في النهاية يُظهِر البطلين الأمريكيين وهما يُحرّكان القاعدة، ويُحرّران الماعز، ويُطلقان سراح المعتقلين العراقيين. السرد ينزلق إلى أسطورة “المنقذ الأبيض”؛ أي أن الغرب، حتى في أكثر حالاته عبثًا، يبقى منقذ الشرق.

 

٨.٥ إلغاء السياسة الكبرى

لا يُذكر شيء عن أسباب احتلال العراق، أو أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، أو دور الشركات الخاصة مثل بلاك ووتر. الحرب تتحوّل إلى خلفية كوميدية؛ يضحك المتفرج، ويغادر القاعة دون إحساس بالمسؤولية. هذا هو نجاح الاستعمار الثقافي: تحويل السياسة إلى مهزلة غير سياسية.

 

۸.۶ تطبيع وجود المتعاقدين العسكريين الخاصين

 

يُظهر الفيلم المتعاقدين المسلحين على أنهم “انتهازيون غريبو الأطوار”، وليسوا بنية ممنهجة تتجاوز قوانين الحرب وتسهم في وقوع مآسي مثل سجن أبو غريب. السخرية تُخفي الخطر؛ وكأن وجودهم جزء طبيعي من الحرب لا يستحق التوقف عنده.

 

٨.٧ استهلاك الثقافة الشرقية كزينة

 

جانغو يستخدم اليوغا، والتأمل البوذي، والمفردات المستعارة من لغات السكان الأصليين، والموسيقى التبتية، لبناء “جيش السلام”. لا يتساءل الفيلم لحظةً عمّا إذا كان هذا التبنّي السياحي للثقافة الشرقية شكلاً من أشكال الاستغلال الروحي. إنه ما يمكن تسميته “الاستشراق الروحي”: الشرق يُقدَّم كمستودع للأدوات النفسية والروحية التي يحتاجها الغربي المحبط.

 

٩. خلاصة تحليلية

 

“الرجال الذين يحدقون في الماعز” فيلم مرح ومشاغب؛ نجوم هوليود بأزياء غير مألوفة، رقصات تحت تأثير LSD في صحراء، وماعز يسقط بنظرة عميقة – كلها عناصر جذابة. الكوميديا تفضح فشل الجيش الأمريكي، وفي هذا بعد نقدي يُزعزع السرد الرسمي البطولي. لكن هذه الكوميديا نفسها تتحوّل إلى “فخ الضحك”: فالمشاهد، بعد الضحك، قد ينسى أن حربًا حقيقية وقعت، قُتل فيها مئات الآلاف من العراقيين، ودُمِّرت فيها بنيةُ بلدٍ كاملة. الاستعمار الثقافي هنا لا يعمل من خلال تمجيد البطل، بل عبر تهميش معاناة الآخر وجعلها بلا معنى.

في الختام، ربما يُمثّل تحرير الماعز لحظة رمزية، لكن كمتفرجين عراقيين، يحقّ لنا أن نسأل: أين صوت البشر؟

 

أسئلة للنقاش المفتوح

 

ماذا لو كان للفيلم شخصية عراقية لها خلفية وأحلام؟ هل كان الطابع الكوميدي سيبقى قائمًا أم سينهار؟

 

هل يمكن صنع كوميديا سوداء تُضحكنا وتُظهِر في الوقت نفسه صوت الضحية دون أن تُقصيه؟

 

في سينمانا، كيف يمكننا سرد قصة ساخرة عن الحرب والاحتلال دون الوقوع في فخ التهكم المفرغ من المسؤولية؟

 

لعلّ هذا التحليل النقدي يشكّل مدخلًا لحوار جديد حول سينما الحرب، وقوة الصورة في إعادة إنتاج أو مقاومة الاستعمار الثقافي.

محتوایی برای این تب موجود نیست.
محتوایی برای این تب موجود نیست.
محتوایی برای این تب موجود نیست.
  • 0 رأي
  • 41 يزور
  • فريق العمل والموسيقى التصويرية
نقترح عليك المشاهدة

دیدگاه های کاربران

0 نظر
انصراف

اولین نفر باشید دیدگاهی ثبت میکند